بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
: فان دلائل نبوة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- كثيرةٌ ومتنوعة، منها اخباره-
عليه الصلاة والسلام- بالأمور الغيبية المستقبلة، التي وقعت كما أخبر-صلى الله عليه وسلم-،
ومن ذلك ما يتعلق بالانتكاسة عن الدين والمنهج القويم، والانتكاسة التي أعنيها هنا هي الرجوع من التوحيد الى الشرك،
ومن الحق الى الباطل، ومن الطاعة الى المعصية، ومن السنة الى البدعة،
فقد أخرج الامام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه:
ان رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بالأعمال فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا
وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا».
أفاد هذا الحديث فوائد:
منها ان من فتن آخر الزمان كثرة الانتكاسات عن الدين، وأن الرجل يصبح على الايمان ويمسي على الكفر، ويمسي على الايمان ويصبح على الكفر.
ومنها: ان الانسان في آخر الزمان يبيع دينه بعرض من الدنيا، وهذا العرض الدنيوي قد يكون مالا وقد يكون سلطانا وقد يكون وجاهة وسمعة.
فالانتكاسة والردة عن الايمان قد تقع ولكنها تقع لأغراض دنيوية في الغالب، أما الانتكاسة سخطة لهذا الدين
فهي من الصعوبة بمكان، كما قال هرقل لأبي سفيان حين سأله: وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ ان يَدْخُلَ فِيهِ
فَزَعَمْتَ ألا وَكَذَلِكَ الايمان حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ.متفق عليه ويخطأ من يظن يقصر مفهوم الانتكاسة
على ترك الطاعة وفعل المعصية، فهذا نوع من أنواع الانتكاسات والعياذ بالله، وليس كل أنواع الانتكاسة، فمن الانتكاسة
ان ينتكس الانسان من السنة الى البدعة، ومن منهج السلف الى منهج الخلف.
ولقد ظهرت ظاهرة وهي ان الكثير ممن ينتحل الأفكار التغريبية يتبجحون بأنهم كانوا مستقيمين ثم انتكسوا، وهم يحاولون بذلك ان يظهروا للناس أنهم عرفوا هذا الدين، ودرسوه وخلصوا الى نتيجة يروجون لها كثيرا يعرفها الحذاق من القراء، وان كانوا لا يصرحون بها علنا.
ونحن لا نستطيع ان نكذب هؤلاء دون دليل، لكن الذي نظنه أنهم ان كانوا كذلك فهم في الحقيقة تركوا دينا لم يعرفوه جيدا، نعم قد يكون كثير منهم انخرط في جماعات متشددة أو ما يدور في فلكها صورت لهم ان الإسلام دين تجهم وتزمت، دين لا يعرف الابتسامة والرحمة والرأفة، فهذا الذي فهموه –إن كان كذلك- ليس بدين محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي ندعو أنفسنا والناس اليه، على أنه قد يقال ان كثيرا من هؤلاء انما تركوا الدين لأغراض دنيوية كما تقدم في الحديث، اما شهوات جسدية أو معنوية ومالية، ثم سخروا أقلامهم وألسنتهم لحرب السنة والمتمسكين بها- هدانا الله واياهم -.
ومن الظواهر كذلك ما نراه من هجوم البعض على المنهج السلفي في بعض مفرداته، حتى أضحى بعضهم يسخر من هذا المنهج ويصفه بأوصاف منفرة، من مثل سخريتهم بالمطالبات الشرعية بأداء حقوق ولي الأمر المسلم الشرعية.
وقد كان بعض هؤلاء قديما يدعو الى هذا المنهج ويقرره، ثم أصبح بهذه الحال ورضي الله عن حذيفة اذ قال: «فاعلم ان الضلالةَ حق الضلالة ان تعرفَ ما كنتَ تنُكره، وأن تنكرَ ما كنتَ تعرفهُ، واياك والتلون فان دينَ الله» رواه عبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في سننه الكبرى.
وهو أثر يعبر عن واقع كثير من المنتكسين اليوم-هدانا الله واياهم سواء السبيل-.
والخلاصة ان دلائل النبوة وأعلامها كثيرة جدا، وأن الانتكاسة قد تكون لشبهة أو لشهوة، والله المستعان.
2011/01/16
جريدة الوطن الكويتية