لقاء صحفي حول ( المظاهرات )
-
- الاعتراض بأن تحريم المظاهرات غير منصوص عليه ولا قطعي سيفتح باب تحليل أكثر المحرمات لأنها غير قطعية كذلك
- من المؤلم الظن أن كل المنكرين للمظاهرات يرضون بالفساد الأخلاقي أو المالي أو الإداري في الدولة
كتب: ضاري المطيري
«علينا أن نحرص على مشاورة أهل الحكمة والرأي والتأني في القرارات والتصريحات، وتقديم التنازلات بما لا يخالف الشريعة مراعاة للمصالح الأعظم ودرءا للمفاسد الأكبر، ولنتذكر أننا نسير في مركب واحد إذا أحدث فيه أحدنا خرقا يسيرا فسيكون سببا لهلاكنا جميعا» هذا
ما أكده الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د.عبدالله الشريكة. وحث الشريكة طلاب العلم على ألا تشغلهم السياسة، والإغراق فيها عن العلم ومجالسه وعن دعوتهم الناس للخير وتربية أنفسهم على طاعة الله والاستعداد للقائه تعالى، مطالبا بألا يقولوا إلا ما يرضي الله وأن يقولوا القول السديد الذي لا يحدث الفتن، ولا يوقع الضغائن، ولا يمزق المجتمع بغير حق. «الأنباء» التقت الشيخ د. عبدالله الشريكة للحديث حول أبرز المسائل المتعلقة بالمظاهرات، حيث أوضح أن المناصحة الحكيمة والدعاء بالصلاح واللجوء للقضاء واستخدام صلاحيات النواب القانونية هي البديل الشرعي لها، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
ما حكم المظاهرات، المرخص منها وغير المرخص؟ وهل كونها سلمية يغير من حكمها؟
٭ المظاهرات والمسيرات بقسميها المرخصة وغير المرخصة أفتى جمع من العلماء المحققين بحرمتها، ومستندهم في ذلك الشرع، لأن المظاهرات فيها مخالفات شرعية عديدة، لاسيما إذا كانت موجهة ضد الدولة، لما في ذلك من منازعة الأمر أهله التي نهانا عنها نبينا صلى الله عليه وسلم في أحاديث نبوية صحيحة كثيرة، روى كثيرا منها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، فالبخاري رواها في كتاب الأحكام من صحيحه، ومسلم رواها في كتاب الإمارة من صحيحه، وكلها تأمر بالصبر وعدم المنازعة للسلطان المسلم وإن وقع منه الظلم والجور، مراعاة للمصالح الأعلى ودرءا للمفاسد الأعظم.
ومن مخالفات المظاهرات كذلك ما قد يحصل فيها من اندساس بعض المخربين الذين قد يقومون بأعمال تخريبية تؤدي إلى المصادمة وانفلات النظام، فلو اندس هؤلاء بين الإخوة الذين خرجوا في مسيرات سلمية -كما يقال- ثم اعتدوا على أحد من رجال الأمن أو رموا شيئا من قنابل الملوتوف أو أحرقوا الإطارات أو قطعوا الطرق، فإن الأمر سينفلت وسيختلط الحابل بالنابل ولن يمكن التمييز بين المصلح والمفسد، وقد جاءت الشريعة كما تقدم بتحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها.
وما تقدم ذكره من أعمال تخريبية قد يقوم بها أيضا بعض أبناء المسيرة من صغار السن أو من تنفلت أعصابه في مثل هذه المواقف خصوصا مع الشحن الذي يقوم به بعض السياسيين – هداهم الله – وهذا قد حصل كثيرا في الكويت وغيرها كما لا يخفى، وما تقدم ذكره من المخالفات وامكانيتها قد يقع في المسيرة المرخصة وغير المرخصة لذلك اشتركتا في علة التحريم سدا لذريعة الشر.
كما أن المظاهرات والمسيرات قد تكون سببا لاضطراب البلاد سياسيا وأمنيا واقتصاديا، فالمعارضون اليوم يجيشون اتباعهم في المسيرات لعزل فلان أو رد القانون الفلاني، وربما انقلبت الأمور فأصبح المعارضون موالين، ثم يخرجون المعارضون الجدد بالجماهير الموافقة لهم للمطالبة بعزل فلان ورد فلان وهكذا دواليك حتى لا تستقر الأمور، والله المستعان، لذلك فإني أقول بصريح العبارة إن المسيرات والمظاهرات ليست من طرق الإصلاح السليمة المأمونة حتى ولو حققت شيئا من المصالح، فما من أمر إلا وفيه شيء من المصلحة، ولذلك قال تعالى عن الخمر (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما) فالخمر والميسر فيهما منافع لكن لأن إثمهما اكبر من نفعهما حرمهما الله تعالى، والمظاهرات إن حققت شيئا من المنافع أو المطالب فإن مفاسدها أكبر لمن تأمل وتدبر.
البعض يزعم أن تحريم المسيرة المرخصة يلازم له تأثيم ولي الأمر، فما تعليقك؟
٭ ولي الأمر بشر يصيب ويخطئ، ويعصي ربه ويطيع، ويعدل ويظلم، فهو عرضة لذلك كله، كما قال صلى الله عليه وسلم «كل بني آدم خطاء» وولي الأمر إذا عصى الله فإنه بلا شك يأثم، فلو سمح بفعل الحرام في بلده الذي تحت إمرته مع قدرته على منعه فلا شك أنه سيسأل عن ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم «كل راع فمسؤول عن رعيته..ثم قال: والإمام راع فمسؤل عن رعيته»، ونحن لا نقول إن ولي الأمر يأثم بترخيصه للمسيرات لأنه قد يكون متأولا أو مكرها أو يجهل حكمها، أما إن علم بتحريمها ومخالفتها للشرع ثم سمح بها مع قدرته على منعها فإنه يؤاخذ بذلك، على أننا نعرف أن السماح بها يخضع لضغوط الإعلام والمجتمع الدولي كما يقولون والله المستعان.
سيفتح باب شر
هل تحريم المظاهرات قطعي؟ وهل يعذّر المخالف المجيز لها؟
٭ أنا لا أقول بأن تحريم المظاهرات منصوص عليه كتحريم الشرك والخمر والربا وقتل النفس وغيرها من المحرمات المنصوصة، ولكني أذكر صاحب السؤال بأن كثيرا من المحرمات الشرعية ليست منصوصة ولا قطعية، فلو فتحنا الباب بهذه الصورة فمن حق أي معترض أن يعترض على محرمات كثيرة بحجة أنها ليست قطعية، وسينفتح باب تحليل المحرمات غير القطعية على مصراعيه رغم أنها قد تكون أكثر من المحرمات القطعية، أما مسألة عذر المخالف من عدمه فهذه يرجع فيها إلى أهل العلم الكبار والله أعلم.
ظن باطل
يستنكر البعض إنكاركم على المتظاهرين دون إنكار منكر دخول الساقطة للكويت، أو غض الطرف عن شدة تعامل رجال الأمن معهم، فما تعليقك؟
٭ هذا الكلام باطل، فأنا عن نفسي قد أنكرت دخول هذه الساقطة للكويت بحمد الله عبر حسابي في تويتر وكذلك عبر الاتصال ببعض من له علاقة بالأمر ومناصحته دون ذكر أسماء، وهكذا نصحنا إخواننا في القوات الخاصة بالرفق والتعامل الحكيم مع المتظاهرين قدر استطاعتهم وهذا كله موجود في حسابي التويتري بحمد الله، لذا فإني أنصح الأخ السائل وغيره من إخواني الكرام بالتثبت من الاتهام قبل توجيهه لمن لا يستحقه، وفي الحقيقة أقول إن من المؤلم أن يظن البعض أن كل من أنكر المظاهرات يرضى بالفساد الأخلاقي أو المالي أو الإداري الذي يوجد في الدول أو أنه لا ينكر المنكرات أو إلى آخره من الظنون الباطلة التي قال الله فيها (إن بعض الظن إثم).
بالطرق الشرعية
كذلك يسأل لماذا تلقون اللوم على الشباب المتظاهر الوطني والغيور دون النظر إلى الأسباب التي دفعته للتظاهر، وهو الفساد، فما رأيك؟
٭ هذا الكلام غير صحيح، غفر الله لقائله، فنحن بحمد الله ننكر الفساد ونطالب بإصلاحه وتغييره عملا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، ولكننا نخالف هؤلاء الإخوة في طريق الإصلاح والإنكار، فنحن نريد الإصلاح بالطرق الإصلاحية الشرعية السليمة وليس بالطرق التي تحوطها المخاطر والعواقب الخطيرة كالمظاهرات والمسيرات، ولا يحق للإخوة أن يغيروا الخطأ بخطأ أعظم منه قد يعرض البلاد والعباد للمخاطر التي نراها في بلاد كثيرة قامت فيها المظاهرات ثم اصبحت كالسيل الذي لا ينتهي فما ان يفرغ الناس من مظاهرة حتى يعقبهم آخرون بمظاهرة مطالبها مناقضة للأولى أو غيرها.
ما تعليقك على وصف رجال الأمن بالشبيحة وصباح الناصر بالفلوجة والصباحية بغزة؟
٭ لا شك أن هذه الأوصاف كلها باطلة ومنكرة ولا تجوز، وكأننا نعيش حالة حرب؟ أو نعيش واقعا مشابها للمجتمعات التي ينتشر فيها الشبيحة؟ فليتق الله هؤلاء الإخوة الذين يطلقون مثل هذه الإطلاقات النكراء وليتجنبوا التنابز بالألقاب، والقوات الخاصة فيهم من أبنائنا وابناء عمومتنا وجيراننا ومعارفنا، وهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر من صلاح وطلاح، اسأل الله لهم التوفيق والسداد والسعي لمرضاة رب العباد.
التفريق تناقض
ما تعليقك على تناقض أو تفاوت فتاوى البعض في شان المظاهرات في مصر والبحرين والكويت؟
٭ الذي أعرفه عن علمائنا الكبار أنهم يحرمون المظاهرات في كل البلاد الإسلامية ولا يفرقون بين بلد وبلد، ومن فرق فقد وقع في التناقض المذموم والتناقض من علامات الباطل كما قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، اسأل الله ان يعين المسلمين على ما يرونه من تناقضات بعض الدعاة والأحزاب والجماعات السياسية الإسلامية هداهم الله.
المناصحة الحكيمة
ما البديل الشرعي لإنكار المنكر والعوض عن المظاهرات والمسيرات؟
٭ البديل هو المناصحة الحكيمة والإنكار على المسؤولين عندهم، والدعاء لهم بالصلاح، ولا مانع من اللجوء للقضاء في ذلك، ولا مانع كذلك من أن يستخدم النواب صلاحياتهم التي منحتها لهم الدولة مما لا يخالف الشرع في إنكار المنكر والسعي إلى تغييره.
وجوب المشاركة
البعض عنف عليك واستنكر إيجابك للتصويت في الانتخابات الماضية متهما إياك بقول لم تسبق اليه من قبل، فما تعليقك؟
٭ ليعلم هذا الأخ وفقه الله أنني حريص على ألا أقول قولا لم أسبق إليه من قبل علماء الأمة الأحياء والأموات رحمهم الله جميعا، ولو علمت أنني قلت بقول لم أسبق إليه فإني أتراجع عنه وأستغفر الله منه، والقول بوجوب التصويت للأصلح في الانتخابات أخذت فيه بقول العلامة الألباني والعلامة العثيمين رحمهما الله، فإنهما قد أوجبا التصويت للأصلح من باب تخفيف الشر وتقليل المفاسد والفاسدين دون تفريق بين الصوت والصوتين والثلاثة، فالعبرة عندهم هي تقليل الشر وهذا متحقق في المجلس السابق واللاحق، مع التنبيه على أنني لا أشدد في هذا ومن خالفني في ذلك فإني لا أأثمه كما زعم البعض.
ما نصيحتك إلى الساسة وطلاب العلم في هذه الأيام العصيبة التي تمر بالكويت؟
٭ نصيحتي لنفسي ولهم جميعا وفقهم الله أن يحرصوا على تقوى الله تعالى في الأقوال والأعمال، وأن نتذكر جميعا بأن حياتنا في هذه الدنيا مؤقتة وعما قريب راحلون إلى قبورنا، وعندها سيفرح من عمل لله واتقى مولاه، وسيندم من عمل لدنياه واتبع نفسه هواها، فلنحرص على ألا نقول إلا ما يرضي الله ولنحرص على القول السديد الذي لا يحدث الفتن، ولا يوقع الضغائن، ولا يمزق المجتمع بغير حق، وليحرص كل منا على مشاورة أهل الحكمة والرأي والتأني في القرارات والتصريحات، وتقديم التنازلات بما لا يخالف الشريعة مراعاة للمصالح الأعظم ودرءا للمفاسد الأكبر، وليتذكروا بأننا نسير في مركب واحد إذا أحدث فيه أحدنا خرقا يسيرا سيكون سببا لهلاكنا جميعا.
وأنصح طلاب العلم بخاصة ألا تشغلهم السياسة والاغراق فيها عن العلم ومجالسه وعن دعوتهم الناس للخير وتربية أنفسهم على طاعة الله والاستعداد للقائه تعالى.
الجمعة 21 ديسمبر 2012 – الأنباء