من حقوق ولي الأمر

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

فإن كلامنا اليوم عن حقوق ولي الأمر ليس بدعا من القول ، بل إن مسألة حقوق ولي الأمر ووجوب بيعته وطاعته مسألة عقدية مهمة عند أهل السنة ، فقد أمر الله تعالى بطاعتهم في كتابه الكريم ، وعلى لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم،وأوجب هذه الطاعة بالمعروف، فإن أمر ولي الأمر بمعصية الله فلا سمع له ولا طاعة في هذه المعصية ، وتحفظ حقوقه في غيرها من الأوامر.
– ولسنا نتكلم اليوم بمسألة جديدة بل هي مسألة بينها أهل العلم منذ عصر التدوين الأول، فهذا الإمام البخاري رحمه الله يعقد في صحيحه كتابا أسماه كتاب الأحكام بين فيه حقوق ولي الأمر وواجباته، وهذا الإمام مسلم رحمه الله عقد في صحيحه كتابا سماه كتاب الإمارة، وذكر هذه الحقوق أهل العلم في مصنفاتهم العقدية وغيرها.
– إن كلامنا اليوم ليس من باب التزلف للولاة ، ولا لكسب المصالح الدنيوية منهم، وإنما نتكلم بما نعتقده وندين الله تعالى به من أداء حقوق الأمير التي أوجبها الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الشريعة الإسلامية بينت واجبات الحاكم ومنها أن يحكم بشرع الله تعالى ، وأن يعدل بين الناس، بل توعد النبي صلى الله عليه وسلم من حكم ولم يعدل أو غش رعيته فقال عليه الصلاة والسلام :” من استرعاه الله رعية يبيت يوم يبيت وهو غاش لها فلن يجد رائحة الجنة”، وقال عليه الصلاة والسلام في الإمارة :”
إِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا” رواه مسلم.
وأما حقوق ولي الأمر فهي كثيرة ،لا يمكن أن نستوعبها في هذه المحاضرة ، لذا كان عنوان المحاضرة(من حقوق ولي الأمر) أي أننا سنذكر بعض هذه الحقوق وليس كلها، وهي حقوق نقوم بها ونحث عليها استجابة لأمر الله تعالى ، وليس لأنها حقوق دستورية أو قانونية، فمرجعنا هو القرآن والشرع وليس غيره.
فمن حقوق ولي الأمر :
البيعة: وهي أن يبايعه أهل الحل والعقد وعموم المسلمين إن أمكنهم ذلك، وتكون هذه البيعة ملزمة لكل مسلم في البلد، والمقصود بالبيعةهو العهد على الطاعة أي أن المبايع يسلم للأمير في الأوامر التي يأمر بها مادامت لا تخالف الشرع, وقد دل على وجوب البيعة قوله عليه الصلاة والسلام ” من مات وليس في عنقه بيعة؛ مات ميتة جاهلية” رواه مسلم في صحيحه، وحذر عليه الصلاة والسلام من نقض البيعة وتوعد ناقضها بقوله ” من كره من اميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج على السلطان شبرا، مات ميتة جاهلية” متفق عليه، وأنا أشهد الله تعالى ومن حضر من خلقه على أنه ليس في عنقي بيعة لأحد من الخلق سوى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله تعالى ، وليس في عنقي بيعة لا لأمير قبيلة ، ولا لقيادات دينية ولا أحزاب ولا غيرها، واسأل الله أن يثبتني والسامعين على دينه.
ومن حقوق ولي الأمر (السمع والطاعة له بالمعروف):
وقد دل على هذا الحق قوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)
وأحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، منها قوله عليه الصلاة والسلام “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا إن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” متفق عليه.
ومن حقوق ولي الأمر ( النصيحة له):
كما قال صلى الله عليه وسلم ” الدين النصيحة” قلنا لمن يا رسول الله ، قال ” لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” رواه مسلم.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (جامع العلوم والحكم) شارحا هذا الحديث:
“وأما النصيحةُ  لأئمة المسلمين : فحبُّ صلاحِهم ورشدهِم وعدلهم ، وحبُّ اجتماع الأمة عليهم ، وكراهةُ افتراقِ الأمة عليهم ، والتدينُ بطاعتهم في طاعة الله – عز وجل – ، والبغضُ لمن رأى الخروجَ عليهم ، وحبُّ إعزازهم في طاعة الله – عز وجل – “.
وقال الإمام ابن الصلاح رحمه الله تعالى في (صيانة صحيح الإمام مسلم):
“والنصيحة لأئمة المسلمين أي لخلفائهم وقادتهم معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتنبيههم وتذكيرهم في رفق ولطف ومجانبة الخروج عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك”

ومن شروط نصيحة ولي الأمر أن تكون سرا وبرفق ولطف، كما قال صلى الله عليه وسلم :” منْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ”رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده.
ومن حقوق ولي الأمر الصلاة خلفه والصبر على جوره إن وجد والجهاد معه والحج معه إلى غير ذلك من الحقوق .
نسأل الله تعالى أن يحفظ الكويت وسائر بلاد المسلمين بحفظهن وأن يوفق ولي أمرنا لما يحب ويرضى وأن يؤلف قلوب المسلمين على التوحيد والطاعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.